Admin Admin
عدد المساهمات : 987 نقاط : 2924 تاريخ التسجيل : 12/11/2010 العمر : 51
| موضوع: هل الإسلام يمدح الرهبانية ؟ الجمعة ديسمبر 09, 2011 1:51 pm | |
| قال تعالى : " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون " فهل نفهم من هذه الآية أن الإسلام يمتدح الرهبانية .. لان الرهبانية قرنت بالرأفة والرحمة ؟ فنضع رد شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه النقطة مع قليل من التصرف من قبلى .. قال : ان هذه الآية لا مدح فيها على الاطلاق للرهبانية .. بل هى مذمة لهم واستنكار عليهم هذه البدعة التى لم ينزل الله بها من سلطان .. وانما فيه مدح لمن اتبع عيسى عليه السلام بما جعل الله في قلوبهم من الرحمة والرأفة .. حيث يقول " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة " ثم قال " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " .. اى وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم وهذه الرهبانية لم يشرعها الله ولم يجعلها مشروعة لهم .. بل نفى جعله عنها . وهذا الجعل المنفى عن ’’البدع‘‘ هو الجعل الذي اثبته للمشروع بقوله تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " وقوله " لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه " فالرهبانية ابتدعوها النصارى ولم يشرعها الله وقال علماء اللغة : فى قوله ’’ورهبانية‘‘ قولان : أحدهما أنها منصوبة يعني ابتدعوها إما بفعل مضمر يفسره ما بعده أو يقال هذا الفعل عمل في المضمر والمظهر .. كما هو قول ’’الكوفيين‘‘ حكاه عنهم ابن جرير وثعلب وغيرهما ونظيره قوله " يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما " وقوله " فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " وعلى هذا القول فلا تكون الرهبانية معطوفة على الرأفة والرحمة . والقول الثانى إنها معطوفة عليها فيكون الله قد جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة والرهبانية المبتدعة .. ويكون هذا جعلا خلقيا كونيا .. والجعل الكوني يتناول الخير والشر كقوله تعالى " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار " . وعلى هذا القول فلا مدح للرهبانية بجعلها في القلوب .. فثبت على التقديرين أنه ليس في القرآن مدح للرهبانية ثم قال " إلا ابتغاء رضوان الله " .. أى لم يكتب عليهم إلا ابتغاء رضوان الله وابتغاء رضوان الله بفعل ما أمر به .. لا بما يبتدع وهذا يسمى استثناء منقطعا كما في قوله " اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه " وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا " وقوله تعالى " لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " وقوله تعالى " فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " وقوله تعالى " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما " وقوله " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " وهذا أصح الأقوال في هذه الآية كما هو مبسوط في موضع آخر . ولا يجوز أن يكون المعنى أن الله كتبها عليهم ابتغاء رضوان الله .. فإن الله لا يفعل شيئا ابتغاء رضوان نفسه ولا أن المعنى أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوانه كما يظن هذا وهذا بعض الغالطين كما قد بسط في موضع آخر .. وذكر أنهم ابتدعوا الرهبانية وما رعوها حق رعايتها .. وليس في ذلك مدح لهم بل هو ذم ثم قال تعالى " فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم " وهم الذين آمنوا منهم بمحمد وكثير منهم فاسقون .. ولو أريد الذين آمنوا بالمسيح أيضا فالمراد من اتبعه على دينه الذي لم يبدل .. وإلا فكلهم يقولون إنهم مؤمنون بالمسيح وبكل حال فلم يمدح سبحانه إلا من اتبع المسيح على دينه الذي لم يبدل .. ومن آمن بمحمد لم يمدح النصارى الذين بدلوا دين المسيح ولا الذين لم يؤمنوا بمحمد .. فإن قيل قد قال بعض الناس إن قوله تعالى ورهبانية ابتدعوها عطف على رأفة ورحمة وإن المعنى أن الله جعل في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية أيضا ابتدعوها وجعلوا الجعل شرعيا ممدوحا قيل هذا غلظ لوجوه : منها أن الرهبانية لم تكن في كل من اتبعه بل الذين صحبوه كالحواريين لم يكن فيهم راهب .. وإنما ابتدعت الرهبانية بعد ذلك بخلاف الرأفة والرحمة فإنها جعلت في قلب كل من اتبعه . ومنها أنه أخبر أنهم ابتدعوا الرهبانية بخلاف الرأفة والرحمة .. فإنهم لم يبتدعوها وإذا كانوا ابتدعوها لم يكن قد شرعها لهم فإن كان المراد هوالجعل الشرعي الديني لا الجعل الكوني القدري فلم تدخل الرهبانية في ذلك .. وإن كان المراد الجعل الخلقي الكوني فلا مدح للرهبانية في ذلك . ومنها أن الرأفة والرحمة جعلها في القلوب والرهبانية لا تختص بالقلوب .. بل الرهبانية ترك المباحات من النكاح واللحم وغير ذلك .. وقد كان طائفة من الصحابة رضوان الله عليهم هموا بالرهبانية فأنزل الله تعالى نهيهم عن ذلك بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " وثبت في الصحيحين أن نفرا من أصحاب النبي قال أحدهم أما أنا فأصوم لا أفطر وقال آخر أما أنا فأقوم لا أنام وقال آخر أما أنا فلا أتزوج النساء وقال آخر أما أنا فلا آكل اللحم .. فقام النبي خطيبا فقال ما بال رجال يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني . وفي صحيح البخاري أن النبي رأى رجلا قائما في الشمس فقال ما هذا قالوا هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه . وثبت في صحيح مسلم عن النبي أنه كان يقول في خطبته خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وفي السنن عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة .. قال الترمذي حديث حسن صحيح .. وقد بينت النصوص الصحيحة أن الرهبانية بدعة وضلالة وما كان بدعة وضلالة لم يكن هدى .. ولم يكن الله جعلها بمعنى أنه شرعها كما لم يجعل الله ما شرعه المشركون من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . فإن قيل قد قال طائفة معناها ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله .. وقالت طائفة ما فعلوها أو ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله .. قيل كلا القولين خطأ والأول أظهر خطأ فإن الرهبانية لم يكتبها الله عليهم .. بل لم يشرعها لا إيجابا ولا استحبابا ولكن ذهبت طائفة إلى أنهم لما ابتدعوها كتب عليهم إتمامها .. وليس في الآية ما يدل على ذلك فإنه قال " ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها " فلم يذكر أنه كتب عليهم نفس الرهبانية ولا إتمامها ولا رعايتها .. بل أخبر أنهم ابتدعوا بدعة وأن تلك البدعة لم يرعوها حق رعايتها . فإن قيل قوله تعالى " فما رعوها حق رعايتها " .. يدل على أنهم لو رعوها حق رعايتها لكانوا ممدوحين .. قيل ليس في الكلام ما يدل على ذلك بل يدل على أنهم مع عدم الرعاية يستحقون من الذم ما لا يستحقونه بدون ذلك فيكون ذم من ابتدع البدعة ولم يرعها حق رعايتها أعظم من ذم من رعاها وإن لم يكن واحد منهما محمودا بل مذموما مثل نصارى بني تغلب ونحوهم ممن دخل في النصرانية ولم يقوموا بواجباتها بل أخذوا منها ما وافق أهواءهم فكان كفرهم وذمهم أغلظ ممن هو أقل شرا منهم والنار دركات كما أن الجنة درجات . وأيضا فالله تعالى إذا كتب شيئا على عباده لم يكتب ابتغاء رضوانه بل العباد يفعلون ما يفعلون ابتغاء رضوان الله .. وأيضا فتخصيص الرهبانية بأنه كتبها ابتغاء رضوان الله دون غيرها تخصيص بغير موجب .. فإن ما كتبه ابتداء لم يذكر أنه كتبه ابتغاء رضوانه فكيف بالرهبانية .. وأما قول من قال ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله فهذا المعنى لو دل عليه الكلام لم يكن في ذلك مدح للرهبانية .. فإن من فعل ما لم يأمر الله به بل نهاه عنه مع حسن مقصده غايته أن يثاب على قصده لا يثاب على ما نهى عنه ولا على ما ليس بواجب ولا مستحب فكيف والكلام لا يدل عليه فإن الله قال " ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله " ولم يقل ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله .. ولا قال ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله .. ولو كان المراد ما فعلوها أو ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله لكان منصوبا على المفعولية ولم يتقدم لفظ الفعل ليعمل فيه ولا نفي الابتداع بل أثبته لهم .. وإنما تقدم لفظ الكتابة فعلم أن القول الذي ذكرناه هو الصواب وأنه استثناء منقطع فتقديره وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله فإن إرضاء الله واجب مكتوب على الخلق وذلك يكون بفعل المأمور وبترك المحظور .. لا بفعل ما لم يأمر بفعله وبترك ما لم ينه عن تركه والرهبانية فيها فعل ما لم يؤمر به وترك ما لم ينه عنه . هذه المشاركه بقلم الأخ ابن القيم
| |
|