منتدى كريم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
 http://www.alahlytv.net/

 حصريا : موقع قناه النادى الاهلى تم تدشينة رسميا

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
موقع الازهر الشريف http://www.alazhar.gov.eg/
>لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ عَدَدَ الّلَيالى وَالدُّهُورِ، لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ عَدَدَ اَمْواجِ الْبُحُورِ، لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ و رَحْمَتُهُ خَيْرٌ مِما يَجْمَعُونَ، لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ عَدَدَ الشَّوْكِ و الشَّجَرِ، لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ عَدَدَ الشَّعْرِ وَالْوَبَرِ، لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ عَدَدَ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ، لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ عَدَدَ لَمْحِ الْعُيُونِ، لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ فِى الّلَيْلِ اِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ اِذا تَنَفَّسَ، لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ عَدَدَ الرِّياحِ فِى الْبَرارى وَالصُّخُورِ، لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ مِنَ الْيَوْمِ اِلى يَوْمِ يُنْفَخُ فِى الصُّور <br>   

 

 هل الدين أفيون ..؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 987
نقاط : 2924
تاريخ التسجيل : 12/11/2010
العمر : 50

هل الدين أفيون ..؟ Empty
مُساهمةموضوع: هل الدين أفيون ..؟   هل الدين أفيون ..؟ Emptyالجمعة ديسمبر 09, 2011 4:05 pm

هل الدين أفيون ..؟
قال لي صاحبي الدكتور وهو يغمز بعينيه :
وما رايك في الذين يقولون ان الدين افيون ...!!
وانه يخدر الفقراء والمظلومين ليناموا على ظلمهم وفقرهم ويحلموا بالجنة والحور العين ..
في حين يثبت الاغنياء على غناهم باعتبار انه حق ..
وان الله خلق الناس درجات ...؟.
وما رايك في الذين يقولون ان الدين لم ينزل من عند الله ..
وانما هو طلع من الارض من الظروف والدواعي الاجتماعية ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة ..؟
وهو يشير بذلك الى الماديين وافكارهم ..
قلت :
ليس ابعد من الخطأ القائل بان الدين افيون .. فالدين في حقيقته اعباء وتكاليف وتبعات ..
وليس تخفيفاً وتحللاً .. وبالتالي ليس مهرباً من المسئوليات وليس افيوناً ..
وديننا عمل وليس كسل ..
( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم )
ونحن نقول بالتوكل وليس التواكل ..
والتوكل يقتضي عندنا العزم واستفراغ الوسع ..
وبذل غاية الطاقة والحيلة .
ثم التسليم بعد ذلك لقضاء الله وحكمه .
( فاذا عزمت فتوكل على الله )
العزم اولاً ..
والنبي يقول لمن اراد ان يترك ناقته سائبة توكلاً على حفظ الله ( اعقلها وتوكل )
أي ابذل وسعك اولا فثبتها في عقالها ثم توكل ..
والدين صحو وانتباه ويقظة . ومحاسبة للنفس ومراقبة للضمير ..
في كل فعل وفي كل كلمة وكل خاطر . وليس هذا حال اكل الافيون .
انما اكل الافيون الحقيقي هو المادي الذي ينكر الدين هرباً من تبعاته ومسئولياته .
ويتصور ان لحظته ملكه . وانه لاحسيب ولا رقيب ولا بعث بعد الموت ..
فيفعل ما يخطر على باله . واين هذا الرجل من المتدين المسلم الذي يعتبر نفسه مسئولاً عن سابع جار ..
واذا جاع فرد في امته او ضربت دابة عاتب نفسه بانه لم يقم بواجب الدين في عنقه ..
وليس صحيحاً ان ديننا خرج من الارض .. من الظروف والدواعي الاجتماعية ..
ليكون سلاحاً لطبقة على طبقة وتثبيتاً لغنى الاغنياء وفقر الفقراء ..
والعكس هو الصحيح ...
فالاسلام جاء ثورة على الاغنياء والكانزين المال والمستغلين الظالمين ..
فامر صراحة بالا يكون المال دولة بين الاغنياء يحتكرونه ويتداولونه بينهم ..
وانما يكون حقاً للكل ..
( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم )
والانفاق يبدا من زكاة اجبارية ( 2،5 ) في المائة ..
ثم يتصاعد اختيارياً الى كل ما في الجيب وكل ما في اليد .
فلا تبقي لنفسك الا خبزك .. كفافك ..
( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو )
والعفو هو كل ما زاد على الكفاف والحاجة ..
وبهذا جمع الاسلام بين التكليف الجبري القانوني والتكليف الاختياري القائم على الضمير ..
وهذا اكرم للانسان من نزع املاكه بالقهر والمصادرة ..
ووصل الى الانفاق الى ما فوق التسعين في المائة بدون ارهاق ..
ولم يأت الاسلام ليثبت ظلم الظالمين . بل جاء ثورة صريحة على كل الظالمين .
وجاء سيفاً وحربا على رقاب الطواغين والمستبدين ..
اما التهمة التي يسوقها الماديون بأن الدين رجعي وطبقي بدليل الايات ..
( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق )
( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )
فنحن نرد بان هذه الايات تنطبق على لندن وباريس وبرلين وموسكو ..
بمثل ما تنطبق على القاهرة ودمشق وجدة ..
واذا مشينا في شوارع موسكو فسوف نجد من يسير على رجليه ..
ومن يركب بسكليت . ومن يركب عربة موسكوفتش ..
ومن يركب عربة زيم فاخرة ..
وماذا يكون هذا الا التفاضل في الرزق بعينه والدرجات والرتب الاقتصادية ..
والتفاوت بين الناس حقيقة جوهرية ..
ولم تستطع الشيوعية ان تلغي التفاوت ..
ولم يقل حتى غلاة المادية والفوضوية بالمساواة ..
والمساواة غير ممكنة فكيف نساوي بين غير متساويين ..
الناس يولدون من لحظة الميلاد غير متساوين في الذكاء والقوة والجمال والمواهب ..
يولدون درجات في كل شيء ..
واقصى ما طمعت فيه المذاهب الاقتصادية هي المساواة في الفرص وليس المساواة بين الناس ..
ان يلقى كل واحد نفس الفرصة في التعليم والعلاج والحد الادنى للمعيشة ..
وهو نفس ما تحض عليه الاديان ..
اما الغاء الدرجات والغاء التفاوت فهو الظلم بعينه والامر الذي ينافي الطبيعة ..
والطبيعة تقوم كلها على اساس التفاضل والتفاوت والتنوع في ثمار الارض وفي البهائم وفي الناس ..
في القطن نجد طويل التيلة . وقصير التيلة ..
وفي الحيوان والانسان نجد الرتب والدرجات والتفاوت اكثر ..
هذا هو قانون الوجود كله .. التفاضل ..
وحكمة هذا القانون واضحة . فلو كان جميع الناس يولدون بخلقة واحدة وقالب واحد ونسخة واحدة ..
لما كان هناك داع لميلادهم اصلا .
وكان يكفي ان نأتي بنسخة واحدة فتغني عن الكل ..
وكذلك الحال في كل شيء ..
ولانتهى الامر الى فقر الطبيعة وافلاسها ..
وانما غنى الطبيعة وخصبها لايظهر الا بالتنوع في ثمارها وغلاتها والتفاوت في الوانها واصنافها ..
ومع ذلك فالدين لم يسكت على هذا التفاوت بين الاغنياء والفقراء ..
بل امر بتصحيح الاوضاع وجعل للفقير نصيباً من مال الغني .
وقال ان هذا التفاوت فتنة وامتحان ..
( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون )
سوف نرى ماذا يفعل القوي بقوته .
هل ينجد بها الضعفاء او يضرب ويقتل ويكون جباراً في الارض ...؟
وسوف نرى ماذا يفعل الغني بغناه ..
هل يسرف ويطغى ..؟ او يعطف ويحسن ..؟
وسوف نرى ماذا يفعل الفقير بفقره ..
هل يحسد ويحقد ويسرق ويختلس ..
او يعمل ويكد ويجتهد ليرفع مستوى معيشته بالشرع والعدل ..
وقد امر الدين بالعدل وتصحيح الاوضاع بالمساواة بين الفرص ..
وهدد بعذاب الاخرة وقال ان الاخرة ستكون ايضاً درجات اكثر تفاوتاً لتصحيح ما لم يجر تصحيحه في الارض .
(( وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا ))
وللذين يتهمون الإسلام بالرجعية السياسية نقول إن الإسلام أتى بأكثر الشرائع تقدمية في نظم الحكم .
احترام الفرد في الإسلام بلغ الذروة .. وسبق ميثاق حقوق الإنسان وتفوق عليه .. فماذا يساوي الفرد الواحد في الإسلام إنه يساوي الإنسانية كلها .
( من قتل نفا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) .
لا تغني المنجزات ولا الإصلاحات المادية ولا التعمير ولا السدود ولا المصانع .. إذا قتل الحاكم فردا واحدا ظلما في سبيل هذا الإصلاح ، فإنه يكون قد قتل الناس جميعا.
ذروة في احترام الفرد لم يصل إليها مذهب سياسي قديم أو جديد .. فالفرد في الإسلام له قيمة مطلقة بينما في كل المذاهب السياسية له قيمة نسبية .. والفرد في الإسلام آمن في بيته .. وفي أسراره " لا تجسس ولا غيبة " آمن في ماله ورزقه وملكيته وحريته .
كل شيء حتى التحية حتى إفساح المجلس حتى الكلمة الطيبة لها مكان في القرآن .
وقد نهى القرآن عن التجبر والطغيان والإنفراد بالحكم .
وقال الله للنبي " وهو من هو في كماله وصلاحيته " .
( وما أنت عليهم بجبار ) .
( فذكر إنما أنت مذكر .. لست عليهم بمسيطر ) .
( إنما المؤمنون إخوة ) .
ونهى عن عبادة الحاكم وتأليه العظيم :
( لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) .
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) .
ونهى عن الغوغائية وتملق الدهماء والسوقة والجري وراء الأغلبية المضللة وقال أن :
( بل أكثر الناس لا يعلمون ) .
( بل أكثرهم لا يعقلون ) .
( أكثر الناس لا يؤمنون ) .
( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) . " يكذبون "
( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ) .
ونهى عن العنصرية والعرقية :
( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) .
وبالمعنى العلمي كان الإسلام تركيبا جدليا جامعا بين مادية اليهودية وروحانية المسيحية ، بين العدل الصارم الجاف الذي يقول : السن بالسن والعين بالعين . وبين المحبة والتسامح المتطرف الذي يقول : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر . وجاء القرآن وسطا بين التوراة التي حرفت حتى أصبحت كتابا ماديا ليس فيه حرف واحد عن الآخرة ، وبين الإنجيل الذي مال إلى رهبانية تامة ، ونادى القرآن بناموس الرحمة الجامع بين العدل والمحبة فقال بشرعية الدفاع عن النفس ولكنه فضل العفو والصفح والمغفرة .
( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) .
وإذا كانت الرأسمالية أطلقت للفرد حرية الكسب إلى درجة استغلال الآخرين .. وإذا كانت الشيوعية سحقت هذه الحرية تماما .. فإن الإسلام قدم الحل الوسط .
( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) .
الفرد حر في الكسب ولكن ليس له أن يأخذ ثمرة أرباحه كلها .. وإنما له فيها نصيب .. وللفقير نصيب يؤخذ زكاة وإنفاقا من 2.5 في المائة إلى 90% جبرا واختيارا .. وهذا النصيب ليس تصدقا وتفضلا وإنما هو حق الله في الربح .. وبهذه المعادلة الجميلة حفظ الإسلام للفرد حريته وللفقير حقه .
ولهذا أصاب القرآن كل الصواب حينما خاطب أمة الإسلام قائلا :
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .
فقد اختار الإسلام الوسط العدل في كل شيء .
وهو ليس الوسط الحسابي وإنما الوسط الجدلي أو التركيب الذي يجمع النقيضين " اليمين واليسار " ويتجاوزهما ويزيد عليهما .. ولذلك ليس في الإسلام يمين ويسار وإنما فيه " صراط " الاعتدال الوسط الذي نسميه الصراط المستقيم من خارج عنه باليمين أو اليسار فقد انحرف .
ولم يقيدنا القرآن بدستور سياسي محدد أو منهج مفصل للحكم لعلم الله بأن الظروف تتغير بما يقتضي الاجتهاد في وضع دساتير متغيرة في الأزمنة المتغيرة ، وحتى يكون البا مفتوحا أمام المسلمين للأخذ والعطاء من المعارف المتاحة في كل عصر دون انغلاق على دستور بعينه .
ولهذا اكتفى القرآن بهذه التوصيات السياسية العامة السالفة كخصائص للحكم الأمثل .. ولم يكبلنا بنظرية وهذا سر من أسرار إعجازه وتفوقه وليس فقرا ولا نقصا فيه .
وتلك لمسة أخرى من تقديمة القرآن التي سبقت كل التقديمات .
ونرد على القائلين بأن الدين جمود وتحجر .. بأن الإسلام لم يكن أبدا دين تجمد وتحجر وإنما كان دائما وأبدا دين نظر وفكر وتطوير وتغيير بدليل آياته الصريحة .
( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) .
( فلينظر الإنسان مم خلق .. خلق من ماء دافق .. يخرج من بين الصلب والترائب )
( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ) .
أوامر صريحة بالنظر في خلق الإنسان وفي خلق الحيوان وفي خلق الجبال وفي طبقات الأرض وفي السماء وأفلاكها .. والتشريح والفسيولوجيا والبيولوجيا وعلم الأجنة .
أوامر صريحة بالسير في الأرض وجمع الشواهد واستنباط الأحكام والقوانين ومعرفة كيف بدأ الخلق .. وهو ما نعرفه الآن بعلوم التطور .
ولا خوف من الخطأ .
فالإسلام يكافئ الذي يجتهد ويخطئ بأجر والذي يجتهد ويصيب بأجرين .
وليس صحيحا ما يقال من أننا تخلفنا بالدين وتدم الغرب بالإلحاد .. والحق أننا تخلفنا حينما هجرنا أوامر ديننا .
وحينما كان المسلمون يأتمرون بهذه الآيات حقا كان هناك تقدم وكانت هناك دولة من المحيط إلى الخليج وعلماء مثل ابن سينا في الطب وابن رشد في الفلسفة وابن الهيثم في الرياضيات وابن النفيس في التشريح وجابر بن حيان في الكيمياء .
وكانت الدنيا تأخذ عنا علومنا .. وما زالت مجمعات النجوم وأبراجها تحتفظ إلى الآن بأسمائها العربية في المعاجم الأوروبية .. وما زالوا يسمون جهاز التقطير بالفرنسية imbique ومنه الفعل من كلمة أمبيق العربية . imbiquer ولم يتقدم الغرب بالإلحاد بل بالعلم .
وإنما وقع الخلط مما حدث في العصور الوسطى من طغيان الكنيسة ومحاكم التفتيش وحجرها على العلم والعلماء وما حدث من سجن غاليليو وحرق جيوردانو برونو .
حينما حكمت الكنيسة وانحرف بها البابوات عن أهدافها النبيلة فكانت عنصر تأخر .. فتصور النقاد السطحيون أن هذا ينسحب أيضا على الإسلام وهو خطأ .. فالإسلام ليس بابوية ولا كهنوت .. والله لم يقم بينه وبين المسلمين أوصياء ولا وسطاء .
وحينما حكم الإسلا بالفعل كان عنصر تقدم كما شرحنا وكما يقول التاريخ مكذبا هذه المزاعم السطحية .
وآيات القرآن الصريحة تحض على العلم وتأمر بالعلم ولا تقيم بين العلم والدين أي تناقض :
( وقل رب زدني علما ) .
( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) .
جعل الله الملائكة وأولي العلم في الآية مقترنين بشرف اسمه ونسبته .
وأول آية في القران وأول كلمة كانت " اقرأ " والعلماء في القرآن موعودون بأرفع الدرجات :
( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
وتتكرر كلمة العلم ومشتقاته في القرآن نحوا من ثمانمائة وخمسين مرة .
فكيف يتكلم بعد هذا متكلم عن تناقض بين الدين والعلم أو حجر من الدين على العلم .
والنظر في الدين وتطوير فهمه مطلوب ، وتاريخ الإسلام كله حركات إحياء وتطوير .. والقرآن بريء من تهمة التحجير على الناس وكل شيء في ديننا يقبل التطوير .. ما عدا جوهر العقيدة وصلب الشريعة .. لأن الله واحد ولن يتطور إلى اثنين أو ثلاثة .. هذا أمر مطلق .. وكذلك الشر شر والخير خير .. لن يصبح القتل فضيلة ولا السرقة حسنة ولا الكذب حلية يتحلى بها الصالحون .
وفيما عدا ذلك فالدين مفتوح للفكر والاجتهاد والإضافة والتطوير .
وجوهر الإسلام عقلاني منطقي يقبل الجدل والحوار ويحض على استخدام العقل والمنطق .
وفي أكثر من مكان وفي أكثر من صفحة في القرآن نعثر على التساؤل .. " أفلا يعقلون " .. " أفلا يفقهون " .
وأهل الدين عندنا هم " أولو الألباب " .
( شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) .
( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) .
احترام العقل في لب وصميم الديانة .
والإيجابية عصبها والثورة روحها .
لم يكن الإسلام أبدا خانعا ولا سلبيا .
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) .
( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .
والجهاد بالنفس والمال والأولاد .. والقتال والثبات وعدم النكوص على الأعقاب ، ومواجهة اليأس والمصابة والمرابطة في صلب ديننا .
فكيف يمكن لدين بهذه المرونة والعقلانية والعلمية والإيجابية والثورة أن يتهم بالتحجر والجمود إلى من صديق عزيز مثل الدكتور القادم من فرنسا لا يعرف من أوليات دينه شيئا ولم يقرأ في قرآنه حرفا .
المصدر : كتاب\حوار مع صديقي الملحد .... للكاتب مصطفى محمود
================
الدين أفيون الشعوب
تلك قولة كارل ماركس …
ودعاة الشيوعية في الشرق الإسلامي يرددونها وراءه . ويريدون تطبيقها كذلك على الإسلام .
وكارل ماركس أو غيره من الدعاة الأولين للشيوعية ربما كانوا معذورين في ثورتهم على الدين ورجاله . بسبب الملابسات الخاصة التي واجهتهم هناك . فقد كان الإقطاع يمثل أبشع أدواره في أوربا ، وفي روسيا بوجه خاص ، حيث يموت الألوف جوعاً كل عام ، ويموت الملايين بالسل وغيره من الأمراض ، والصقيع يقضي على عدد مماثل .. كل ذلك والإقطاعيون يلغون في دماء أولئك الكادحين ، ويعيشون في ترف فاجر يستمتعون فيه بكل ما يخطر على القلب من ألوان المتاع . فإذا خطر للكادحين أن يرفعوا رؤوسهم ، بل إذا خطر لهم أن يحسوا مجرد إحساس بالظلم الذين يعيشون فيه ، أسرع رجال الدين يقولون لهم : " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر ، ومن أخذ رداءك فاترك له الثوب أيضاً " وذهبوا يخدرونهم عن ثورتهم أو عن إحساسهم بالألم ، بما يمنونهم به من نعيم الآخرة الذي أُعد للصابرين على الظلم ، والراضين بالشقاء .
فإذا لم تفلح الأماني البعيدة فليفلح التهديد . فمن عصي سيده الإقطاعي فهو عاص لله وللكنيسة ولرجال الدين . ولنذكر أن الكنيسة ذاتها كانت من ذوات الإقطاع ، وكان لها ملايين من رقيق الأرض تستعبدهم لحسابها الخاص ، فكان طبيعياً أن تقف في صف القيصر والأشراف ضد الشعب المكافح . لأن الملاك جميعاً معسكر واحد ضد المكافحين ، ولأن الثورة – يوم تقوم – لن تعفي أحداً من مصاصي الدماء سواء كانوا من الأشراف أو من رجال الدين .
فإذا لم تفلح الأماني والتهديد معاً فلتوقع العقوبات فعلاً على الثائرين ، ولتوقع باسم تأديب الخارجين على الدين والملحدين بآيات الله .
ومن هنا كان الدين عدواً حقيقياً للشعب هناك . وكانت قولة في محلها تلك التي قالها كارل ماركس : " الدين أفيون الشعب " ..هناك !
ولكن الشيوعيين في الشرق الإسلامي يشيرون إلى مسلك " رجال الدين المحترفين " في استرضاء ذوي السلطان على حساب الكادحين من الشعب ، وتمنية هؤلاء بالجنة التي أعدت للصابرين ، ليرضوا عما هم فيه من هوان وظلم ، ويستمتع المجرمون وهم آمنون . ويستشهدون مثلاً بما كان من بعض رجال الأزهر في عهد فاروق ، كانوا يقبّلون يده ويلقبونه بالملك الصالح ، ويدعون له ، ويؤولون آيات القرآن على مزاجهم ، ويزيفون معالم الإسلام ليستخرجوا من هذه وتلك ما يثبّت سلطانه ، ويمنع الشعب المكافح من الثورة عليه ، وإلا اعتبروا خارجين على أوامر الله التي توجب الطاعة " لأولي الأمر منكم " !
ثم يخلط الشيوعيون بهذه الحقيقة شبهةً مؤداها أن الإسلام ذاته يأمر بهذا الفحش إذ يقول : " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ( ) " أو يقول : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه . ورزق ربك خير وأبقى ( ) " فالإسلام إذن ككل دين ، أفيون يخدر المكافحين . وهنا الشبهة التي نريد أن نتناولها بالحديث .
نريد أن نبحث هل هذا السلوك الشائن من رجال الدين المحترفين قد أوحى به الدين ذاته ، أم هو فسوق منهم عن أمر الدين الصحيح ، ومثلهم فيه كمثل كل فاسق من الشعراء و الكتاب والصحفيين الذين عفروا جباههم بالتراب ، ومرغوا كرامتهم في الدنس ، ليستمتعوا بشيء من المتاع الزائل فضلاً عن أنه متاع حرام .
وأنا مقتنع أشد الاقتناع بأن جريمة رجال الدين هؤلاء أكبر وأفحش من جريمة الفساق من الشعراء والكتاب والصحفيين المرتزقين ، لأن في أيديهم كتاب الله، وهم يتلون آياته ، ويعرفون حقيقة الدين ، وحقيقة موقفهم وهم يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً وما يأكلون في بطونهم إلا النار ، ولكني أعود فأكرر أنه ليس في الإسلام رجال دين . وأن كل ما يقولونه ليس حجة على الإسلام . وأن مصيبة هذا الشعب جاءته من الجهل بحقيقة دينه – وليس الجهل من أوامر الإسلام للناس ! – وأنه يكفي لدحض تهمة التخدير عن الدين الإسلامي أن الحركة التي ثارت ضد الطاغية هي في حقيقتها الحركة الدينية ، التي أحس الملك السابق خطرها على وجوده فقتل داعيتها وفتح المعتقلات لكتم أنفاسها قبل أن تقضي عليه . ولكن الله أراد غير ما كان يريد .
يكفي هذا لدحض الشبهة الجاهلة . كما يكفي كذلك أن نذكر أن جميع الحركات التحريرية في الشرق الإسلامي كانت من وحي الدين . حركة الشعب المصري ضد الاحتلال الفرنسي كانت حركة علماء الدين . والثورة على ظلم محمد علي كان رائدها السيد عمر مكرم الزعيم الديني .
والثورة على الإنجليز في السودان كان زعيمها المهدي الكبير وهو زعيم ديني . والثورة على الطليان في ليبيا ، وعلى الفرنسيين في المغرب كلها حركات دينية . وثورة الإندونيسيين على هولندا كانت ثورة باسم الدين وعلى أساس الدين .
في كل مكان ثورة تشهد بأن هذا الدين قوة تحريرية . لا دعوة للاستخذاء والرضى بالظلم والهوان . ولكنا لا نكتفي بهذه الحقيقة الواقعة الواضحة الدلالة ، بل نمضي في مناقشة الشبهة الجاهلة التي تتعلق بتخدير الكادحين عن طلب العدالة الاجتماعية والتوزيع الاقتصادي العادل ، وهي أهم ما تلوكه ألسنة الشيوعيين .
* * *
يقول المفسرون في آية : " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " إنها نزلت بشأن إمرأة قالت : لماذا يختص الرجال بالجهاد في سبيل الله وتحرم من ذلك النساء ؟ وقيل إنها نهي عن التمني الفارغ مع القعود عن العمل ، لأنه يؤدي إلى الحسد – وهو شعور منحرف – دون إنتاج عملي يفيد منه المجموع . أي أنها دعوة للناس أن يعملوا ما ينالون به الفضل ، بدل أن يتمنوا وهم قاعدون .
أمّا الآية الأخرى : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم .. " فهي دعوة إلى الاستعلاء على القيم المادية ، التي قد تدعو إلى إكبار أصحابها في أعين المحرومين منها . والخطاب فيها على الأرجح موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لإصغار شأن الكافرين الذين في أيديهم من متاع الحياة الشيء الكثير ، ولكنه هو أعلى منهم بما معه من الحق القوي. فهي في واد آخر غير ما يفهمه منها السطحيون !
ويظهر أن هؤلاء المفسرين في صدر الإسلام كانوا يعلمون أن الشيوعية ستظهر بعد ألف عام ، وأن دعاتها سيتهمون الإسلام ، فقاموا ينفون عنه التهمة ، وينتحلون التفاسير التي تحول الحق عن وجهته ، فأبدوا هذه الآراء التي تحمل الرد الكافي على الشيوعيين وغير الشيوعيين !
ومع ذلك فنحن نفترض جدلاً أن هذه الآيات وأشباهها تدعو للرضى بالواقع وعدم التطلع إلى ما في يد الآخرين . فمتى تصح هذه الدعوة ؟ ومتى تتعين إطاعتها ؟
إن الإسلام ينبغي أن يؤخذ كله ، ولا يجعل أجزاء وتفاريق يؤخذ بعضها ويترك البعض الآخر .
وهذه الدعوة للفقراء والمحرومين أن يصبروا ولا يتطلعوا إلى ما عند الأغنياء ، هي إحدى كفتي الميزان . وتقابلها من الجانب الآخر دعوة مثلها أو أشد منها إلى الأغنياء ألا يستأثروا بأموالهم ، بل ينفقوها في سبيل الله ؛ وتهديد لهم شديد بما ينالهم من العقاب في الآخرة على هذه الأثرة البغيضة .
فإذا نظرنا إلى المسألة على هذا الوضع فالكفتان متوازنتان : إنفاق في جانب واحتفاظ بالكرامة عن ذل التطلع ، وبنظافة النفس من الحقد في جانبٍ آخر . وبهذا وذاك يعيش المجتمع في سلامٍ نفسي يتمشى مع السلام الاقتصادي الذي يوزع الثروة على الجميع ، فلا يوجد مترف هنا ومحروم هناك . وقد تحدثنا من قبل عن " الإنفاق " وصوره المتعددة التي يمكن أن تنفذ في العصر الحديث بما ينفي عنها صفة الإحسان ، ويدخلها في باب التعاون الإنساني الكريم . فلا نحتاج إلى العودة إلى هذه المسألة من جديد ، ولكنا نقول : إنه حين يعيش المجتمع على هذه الصورة فلن يكون هناك ظلم يطلب من المظلومين الرضاء به ، أو حرمان اقتصادي يؤمرون بالخضوع له .
أما حين ينكل الأغنياء عن واجبهم في الإنفاق ، وتحمل تكاليف الخدمة الاجتماعية لمجموع الشعب ، فمن ذا الذي يدعو الفقراء والمحرومين إلى الرضى بما هم فيـه من حرمان ؟ !
الإسلام يصنع ذلك ؟
الإسلام الذي يهدد الراضين بالظلم ، القاعدين عن مكافحته ، بسوء المصير في الدنيا والآخرة ؟
" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم : قالوا فيم كنتم ؟ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض . قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً . إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ؛ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، وكان الله عفواً غفوراً ( ) " .
إنها إذن جريمة لا ينفع فيها اعتذار . جريمة أن يرضى الإنسان بالظلم بحجة أنه ضعيف في الأرض . والقرآن يسميهم ظالمي أنفسهم ، حين رضوا لها غير الوضع الكريم الذي أراده الله للناس ، ودعاهم إلى تحقيقه بكل ما يستطيعون من جهد .
والدعوة إلى الهجرة كانت لمناسبة خاصة وليست هي السبيل الوحيد لمواجهة الظلم . فللجماعات سبل أُخرى سيأتي بيانها . إنما نريد هنا أن نؤكد استفظاع الإسلام للرضى بالظلم ، إلى حد أن تكون عقوبته هي جهنم ، ولا ينجو منها إلا المستضعفون حقيقة ، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً . وذلك لكي لا يقعد عن الجهاد أحد يملك ذرة من القدرة على الجهاد .
أما المستضعفون حقيقة فليسوا متروكين لأمرهم ، يحتملون الظلم بلا نصير . فالأُمة الإسلامية كلها مدعوة للجهد في سبيلهم ودفع العدوان عنهم : " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ( ) " .
فالظلم لا يقع على طائفة من الناس أو على كثرتهم ثم يسكتون عنه فيرضى الله عنهم ولن يرضى الله عنهم حتى يكافحوا الظلم ويردوه عن المظلومين .
وربما ظن البعض أن هذه الآيات خاصة بالعقيدة فحسب ، أي بوجود مسلمين في وسط مشركين يجبرونهم على الشرك بالله وعدم القيام بشعائر العبادة الإسلامية .
ولكن الإسلام لا يفرق بين شعائر العبادة وبين تنفيذ النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتفرعة عن هذه العقيدة . ولا يفرق بين أن يكون الذين يمنعون تنفيذها كفاراً بالاسم والفعل . أو مسلمين بالاسم وكفاراً في واقع الأمر : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ( ) .
والإسلام يأمر بألا يكون المال " دولة بين الأغنياء " ويأمر بأن تكفل الدولة رعاياها بكل الطرق الممكنة : إما بإيجاد العمل الكريم لهم ، وإما بالإنفاق المباشر عليهم من بيت المال في حالة العجز عن العمل . ويأمر نبي الإسلام بضمانات معينة – ذكرناها من قبل – بالنسبة لموظفي الدولة ، وهي تنطبق بالقياس على كل من يؤدي عملاً في مؤسسة خاصة أو عامة .. وكل ذلك جزء من هذا الدين لا يتم إيمان الناس حتى يقرّوا به ويسعوا إلى تنفيذه . وعليه تنطبق الآيات السالفة الذكر التي تذكر الظلم وحكم " ظالمي أنفسهم " الذين يقبلون هذا ولا يكافحونه .
ونفرض أن الناس قد قعدوا عن مكافحة الظلم الاجتماعي إطاعة للمعنى المتوهم من الآيات التي تقول : " ولا تَتَمَنَّوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " أو " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم " فما الذي يحدث عند ذاك ؟
يحدث أن تتكدس الأموال في يد فئة خاصة من الناس يتداولونها فيما بينهم ويحرمون منها المجموع " كما يحدث في الإقطاع والرأسمالية " وذلك منكر لأنه مخالف لأمر الله : " كيلا يكون دولة بين الأغنياء " .
ويحدث أن يحبس الأغنياء هذه الأموال ، أو ينفقوها على أنفسهم في صورة ترف وملذات . فإن كان الأولى فهي منكر : " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " ( ) ولا عذاب إلا على منكر لا يرضي الله . وإن كانت الثانية فهي منكر كذلك والآيات التي تحرم الترف كثيرة جداً في القرآن ، كلها تصم المترفين بالكفر والفسوق : " وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنَّا بما أرسلتم به كافرون ( ) " … " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُتْرَفِيهَا ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول فدمرناها تدميراً ( ) " .. " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال : في سموم وحميم ، وظل من يحموم ، لا بارد ولا كريم ، إنهم كانوا قبل ذلك مترفين " ( ).
لا يمكن إذن أن ينتج من قعود الناس عن مكافحة الظلم الاجتماعي إلا منكر . فكيف يتهم الإسلام بأنه يدعو الناس إلى الرضا بالمنكر والسكوت عليه ابتغاء مرضاة الله ! والله يقول : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ، لبئس ما كانوا يفعلون " ( ) فيجعل السكوت على المنكر وعدم التناهي عنه علامة من علامات الكفر بالله تستوجب غضبه ولعنته وعقابه ؟ ! والرسول يقول : " من رأى منكم منكراً فليغيره " . ويقول : " أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند إمام جائر " . ولن تحدث هذه المنكرات في المجتمع ويرضى عنها الحاكم أو يتسبب فيها إلا كان إماماً جائرً تجب مقاومته جهاداً في سبيل الله وابتغاء مرضاة الله ؟ !
أي عقل ذلك الذي يجيز فهم الإسلام على أنه يأمر بالرضى عن الظلم والسكوت على الحرمان ، إلا عقل منحرف لا يستطيع أن يفهم ولا يستطيع التخلص من الهوى والشهوات ؟
إنما تنصرف الآيات التي أوردناها في أول الفصل إلى النهي عن التمني الفارغ الذي لا يصحبه عمل منتج ؛ وإلى الرضى بما لا يستطيع أحد في الأرض أن يغيره : لا الدولة ولا المجتمع ولا أحد من الناس .
فلنفرض أن إنساناً وهب موهبة حازت له الشهرة وإعجاب الناس ، وآخر يتحرق شوقاً إلى مثل هذه الشهرة وهو لا يملك مثل موهبته . فما الذي تصنعه الدولة يا ترى لإرضاء هذا الشوق ، ومنعه أن يتحول إلا حقد مريض ؟ هل "تصنع" الدولة له موهبة في أحد مصانعها !؟
ولنفرض أن إنسانة جميلة تهفو لها الأفئدة وتتبعها العيون . وأُخرى ليس لها جمالها ولكنها تتلهف إلى الإعجاب وتتطلع إلى الجمال ، فما الذي يسع الدولة أن تقدمه إليها لتمنحها " المساواة" التي تنشدها ؟
ولنفرض أن زوجين يتمتعان فيما بينهما بالحب ، أو ينجبان من الأطفال ما تقر به عينهما وتسعد نفسهما ، وآخرين لم يكتب لهما الوفاق ، أو لم ينجبا الأطفال رغم محاولات الطب الحديث ، فماذا تصنع قوى الأرض كلها لتعويضهما عما يفقدانه في هذا الباب ؟
أن هذا وأمثاله كثير جداً في الحياة . ولن تحله الحلول الاقتصادية ولا نشر العدالة الاجتماعية ، لأنه يتعلق في جوهره بقيم غير اقتصادية . فمن ذا الذي يحله إذن إلا الدعوة إلى الرضى ، والإطمئنان إلى رزق الله الواسع الذي يقدر الناس بمقاييس أخرى غير مقاييس الأرض ، ويجزي حرمان الأرض بنعيم السماء ؟ !
بل في الميدان الاقتصادي والاجتماعي ذاته .. من الذي يقول إن المساواة المطلقة قد أمكن أن تطبق في واقع الأرض ؟ في أي بلد من بلاد العالم كله تساوت جميع الأجور أو تساوت جميع المناصب ؟ فلنفرض أن عاملاً في الاتحاد السوفييتي شديد الطموح عظيم التوق. فهو تواق لأن يكون مهندساً ، ولكن مواهبه العقلية تحول دون ذلك رغم إعطائه جميع الفرص العادلة . أو أن عاملاً لا يجد في جسمه طاقة بعد وحدة العمل الإجبارية الأولى ليقوم بعمل إضافي يأخذ عليه أجراً إضافياً ، ولكنه مع ذلك يتحرق شوقاً إلى ما يناله الآخر القوي من أجر زائد ينفقه في متع الحياة . ما الذي تملكه الدولة لهذا وذلك ؟ وكيف يستطيع أن يسعد بحياته وهي مشوبة بالقلق المستمر والتطلع الدائم والحقد المرير؟ وكيف – بغير التطلع إلى رحمة الله ونشدان الراحة في رحابها – يستطيع أن يؤدي عمله في كما ينبغي ، ليستفيد من جهده المجموع ؟ أبالحديد والنار خير ، أم بدافع داخلي من الرضا والإقبال ؟
هذه هي دعوة الإسلام . العمل لتحقيق الرغبات المشروعة ، والرضا بما لا يستطيع تغييره أحد . أما حين يوجد الظلم الذي يمكن تغيره ، فلن يرضى الله عن الناس حتى يزيلوا هذا الظلم بالثورة عليه وتحطيمه : " ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ( ) " .
فإذا كان في الدنيا كلها دين يصلح أن يكون أفيوناً للشعب ، فلن يكون هذا الدين هو الإسلام ، الذي يكافح الظلم بجميع صوره وألوانه ، وينذر الذين يقبلون الظلم بشر العقاب . ( محمد قطب)
==================
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kareem.catsboard.com
 
هل الدين أفيون ..؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى كريم :: المنتدى العام :: إسلاميات :: المكتبة الإسلامية و البرامج الإسلامية-
انتقل الى: